فصل: الخبر عن نهوض الوزير مسعود بن ماسي إلى تلمسان وتغلبه عليها ثم انتقاضه ونصبه سليمان بن منصور للأمر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن ظهور أبي حمو بنواحي تلمسان وتجهيز العساكر لمدافعته ثم تغلبه وما تخلل ذلك من الأحداث:

كان ولد عبد الرحمن بن يحيي بن يغمراسن هؤلاء أربعة كما ذكرناه في أخبارهم وكان يوسف كبيرهم وكان سكوتا منتحلا لطرق الخير لا يريد علوا في الأرض ولما هلك أخوه عثمان بتلمسان عقد له على هنين وكان ابنه يوسف بن موسى متقبلا مذهبه في السكوت والدعة ومجانبة أهل الشر ولما تغلب السلطان أبو عنان علهم ستة ثلاث وخمسين وسبعمائة وفر أبو ثابت إلى قاصية المشرق واستلبهم قبائل زواوة وأرجلوهم عن خيلهم سعوا على أقدامهم وانتبذ أبو ثابت وأبو زيان ابن أخيه أبي سعيد وموسى ابن أخيه يوسف ووزيرهم يحيي بن داود ناحية عن قومهم وسلكوا غير طريقهم وتقبض على أبي ثابت ويحيي بن داود محمد بن عثمان وخلص موسى إلى تونس فنزل على الحاجب محمد بن تافراكين وسلطانه خير نزل وأجارهم مع فل من قومه خلصوا إليهم وأسنوا جرايتهم وبعث السلطان أبو عنان فيهم إلى ابن تافراكين فأبى من إسلامهم وجاهر بإجارتهم على السلطان.
ولما استولت عساكر السلطان على تونس وأجفل عنها سلطانها أبو اسحق إبراهيم ابن مولانا السلطان أبي يحيي خرج موسى بن يوسف هذا في جملته ولما رجع السلطان إلى المغرب صمد المولى أبو اسحق إبراهيم ابن مولانا السلطان أبي يحيي وابن أخيه المولى أبي زيد صاحب قسنطينة مع يعقوب بن علي وقومه من الزواودة إلى منازلة قسنطيته وارتجاعها وسار في جملتهم موسى بن يوسف هذا فيمن كان عنده من زناتة قومه وكان ينو عامر من زغبة خارجين على السلطان أبي عنان منذ غلبه بنو عبد الواد على تلمسان وكانت رياستهم إلى صغير بن عامر بن إبراهيم لحق بإفريقية في قومه ونزلوا على يعقوب بن علي وجاوروه بحللهم وظعنهم فلما أفرجوا عن قسنطينة بعد امتناعها واعتزم صغير على الرحلة بقومه إلى وطنهم من صحراء المغرب الأوسط دعوا موسى ين يوسف هذا إلى الرحلة معهم لينصبوه للأمر ويجلبوا به على تلمسان فخلى الموحدون سبيله وأعانوه بما اقتدروا عليه لوقتهم وعلى حال سفرهم من آلة وفسطاط وارتحل مع بني عامر وارتحل مع صولة بن يعقوب بن علي وزيان بن عثمان بن سباع من أمراء الزواودة وصغار بن عيسى في حلل من بني سعيد إحدى بطون رباح وأغذوا السير إلى المغرب للعيث في نواحيه وجمع لهم أقتالهم من سويد أولياء السلطان والدولة والتقوا بقبلة تلمسان فانهزمت سويد وهلك عثمان ين ونزمار كبيرهم وكان مهلك السلطان في خلال ذلك.
وكان السلطان حين استعمل الأبناء على الجهات عقد لمحمد المهدي من أولاده على تلمسان ولما اتصل الخبر بوفاة السلطان بالمغرب أغذوا السير إلى تلمسان وملكوا ضواحيها وجهز الحسن بن عمر لها عسكرا عقد عليه وعلى الحامية الذين بها لسعيد ابن موسى العجيسي من صنائع السلطان وسرحه إليها وسار في جملته أحمد بن مزني فاصلا إلى عمله بعد أن وصله وخلع عليه وحمله وسار سعيد بن موسى في العساكر إلى تلمسان واحتل بها في صفر من سنة ستين وسبعمائة وزحف إليه جموع بني عامر وسلطانهم أبو حمو موسى بن يوسف فغلبوهم على الضاحية وأحجزوهم بالبلد ثم ناجزوهم الحرب أياما واقتحموها عليهم لليال خلون من ربيع واستباحوا من كان بها من العسكر وامتلاءت أيديهم من أسلابهم ونهابهم وخلص سعيد بن موسى بابن السلطان إلى حلة صغير بن عامر فأجاره ومن جاء على أثره من لم قومه وأوفد برجالات من بني عامر ينصبون له الطريق أمامه إلى أن أبلغوه مأمنه من دار ملكهم واستولى أبو حمو على ملك تلمسان واستأثر بالهدية التي ألفى بمودعها كان السلطان انتقاها وبعث بها إلى صاحب برشلونة بطرة بن ألقنط وبعث إليه فيه بفرس أدهم من مقرباته بمركب ولجام مذهبين ثقيلين فاتخذ أبو حمو ذلك الفرس لركوبه وصرف الهدية في مصارفه ووجوه مذاهبه والله غالب على أمره.

.الخبر عن نهوض الوزير مسعود بن ماسي إلى تلمسان وتغلبه عليها ثم انتقاضه ونصبه سليمان بن منصور للأمر:

لما بلغ الوزير الحسن ين عمر خبر تلمسان واستيلاء أبي حمو عليها جمع مشيخة بني مرين وأمرهم بالنهوض إليها فأبوا عليه من النهوض بنفسه وأشاروا بتجهيز العساكر ووعدوه مسيرهم كافة ففتح ديوان العطاء وفرق الأموال وأسنى الصلات وأزاح العلل وعسكر بساحة البلد الجديد ثم عقد عليهم لمسعود بن رحو بن ماسي وحمل معه المال وأعطاه الآلة وسار في الألوية والعساكر وكان في جملته منصور بن سلمان ين منصور بن أبي مالك بن يعقوب بن عبد الحق وكان الناس يرجفون بأن سلطان المغرب صائر إليه بعد مهلك أبي عنان وشاع ذلك على ألسنة الناس وذاع وتحدث به السمر والندمان وخشي منصور على نفسه لذلك فجاء إلى الوزير الحسن وشكا إليه ذلك فانتهره أن يختلج بفكره هذا الوسواس انتهارا خلا من وجه السياسة فانزجر واقتصر ولقد شهدت هذا الموطن ورحمت ذلة انكساره وخضوعه قي موقفه ورحل الوزير مسعود في التعبية وأفرج أبو حمو عن تلمسان ودخلها مسعود في ربيع الثاني واستولى عليها وخرج أبو حمو إلى الصحراء وقد اجتمعت عليه جموع العرب من زغبة والمعقل ثم خالفوا بني مرين إلى المغرب واحتلوا بانكاد بحللهم وظواعنهم وجهز إليهم مسعود بن رحو عسكرا من جنوده انتقى فيه مشيخة بني مرين وأمراءهم وعقد عليهم لعامر ابن عمه عبو بن ماسي وسرحهم فزحفوا إليه بساحة وجدة وصدتهم العرب الحملة فانكشفوا واستبيح معسكرهم واستلبت مشيختهم وأرجلوا عن خيلهم ودخلوا إلى وجدة عراة وبلغ الخبر إلى بني مرين بتلمسان وكان في قلوبهم مرض من استبداد الوزير عليهم وحجره لسلطانهم فكانوا يتربصون بالدولة فما بلغ الخبر وحاص الناس لها حيصة الحمر خلص بعضهم نجيا بساحة البلد واتفقوا على البيعة ليعيش بن على بن أبي زيان ابن السلطان أبي يعقوب فبايعوه.
وانتهى الخبر إلى الوزير مسعود بن رحو وكان متحينا السلطان منصور بن سليمان فاستدعاه وأكرهه على البيعة وبايعه معه الرئيس الأكبر من بني الأحمر وقائد جند النصارى القهردور وتسايل إليه الناس وتسامع الملأ من بني مرين بالخبر فتهاووا إليه من كل جانب وذهب يعيش بن أبي زيان لوجهه فركب البحر وخلص إلى الأندلس وانعقد الأمر لمنصور بن سليمان واحتمل بي مرين على كلمته وارتحل بهم من تلمسان يريد المغرب واعترضهم جموع العرب في طريقهم فأوقعوا بهم وامتلأت أيديهم من أسلابهم وظعنهم وأغذوا السير إلى المغرب واحتلوا بسبوا في منتصف جمادى الأخيرة وبلغ الخبر إلى الحسن بن عمر فاضطرب معسكره بساحة البلد وأخرج السلطان في الآلة والتعبية إلى أن أنزله بفسطاطه ولما غشهم الليل انفض عنه الملأ إلى السلطان منصور بن سلمان فأوقد الشموع وأذكى النيران حوالي الفسطاط وجمع الموالي والجند وأركب السلطان ودخل إلى قصره وانحجز بالبلد الجديد وأصبح منصور بن سليمان فارتحل في التعبية حتى نزل بكدية العرائس في الثاني والعشرين لجمادى الأخيرة واضطرب معسكره بها وغدا عليها بالقتال وشد عليها الحملات وامتنعت يومها ثم جمع الأيدي على اتخاذ الآلات للحصار واجتمعت إليه وفود الأمصار بالمغرب للبيعة ولحقت به كتائب بني مرين التي كانت محجرة بمراكش لحصار عامر مع الوزير سليمان بن داود فاستوزره وأطلق عبد الله بن علي وزير السلطان أبي عنان من معتقله بسبتة فخلص منه خلوص الأبريز بعد السبك وأمر منصور بن سليمان بتسريح السجون فخرج من كان بها من دعار بجاية وقسنطينة وكانوا معتقلين من لدن استيلاء السلطان أبي عنان على بلادهم وانطلقوا إلى مواطنهم وأقام على البلد الجديد يغاديها القتال ويراوحها ونزع عنه إلى الوزير الحسن بن عمر طائفة من بني مرين ولحق آخرون ببلادهم وانتقضوا عليه ينتظرون مآل أمره ولبث على هذه الحال إلى غرة شعبان فكان من قدوم السلطان أبي سالم لملك سلفه بالمغرب واستيلائه عليه ما نذكره إن شاء الله تعالى.